عن حق الضعيف على القوي





اسرائيل دوله اقوى بكثير من كل جاراتها، سواءاً على الصعيد العسكري او الاقتصادي او السياسي.


وعندما يميل ميزان القوى بهذا الشكل، يكون الامتحان الحقيقي لمباديء الامّه الاقوى. فمن السهل جدا والمغري جدا الانقياد نحو المصالح والتعدي على حقوق الطرف الاضعف بالف ذريعه وتحت الف مسمىًَ. بالمقارنه فما اصعب الالتزام بمباديء العداله والمساواه نحو الطرف الضعيف حال انعدام الخوف من اي ردّ فعل او ايه محاسبه. هنا يكون الامتحان الحقيقي والذي يفرّق بين من يتصرف وفقا لمبدأ اخلاقي ومن يقيّم تصرّفاته وفقا للنتائج المترتبه عليها، تماما كما يفكّر اللاعب امام رقعه الشطرنج.

البارحه قامت جهه مجهوله بغاره على اهداف عسكريّه في دمشق، فدوّت الانفجارات في قلب العاصمه العربيه التي تعيش حربا اهليه.

دمشق اتهمت اسرائيل بالقيام بالغاره الجويه. وقيام اسرائيل (المزعوم) بغاره على دمشق ليس برأيي مثالا لغطرسه القوي على الضعيف، فهناك الف مبرر اقلها ان اسرائيل لا تزال في حاله حرب مع سوريا التي ترفض التفاوض معها حول السلام، كما ان سوريّا متهمه بامتلاك اسلحه كيماويه محظوره دوليّا تخاف اسرائيل من وصولها الى ايدي جماعات متطرّفه او معاديه لاسرائيل، خصوصا ان الدوله السوريّه بدأت تفقد السيطره بالفعل على معداتها وذخائرها الحربيّه.

كل هذه مبررات لغاره اسرائيليه على دمشق. ولكن قمّه الغطرسه ليست الغاره وانما كانت في جواب اسرائيل على اتهامها بالقيام بالغاره: "نحن لا نعلّق بالمرّه على مثل تلك التقارير". وبالمقارنه فلو اتهمت المكسيك مثلا الولايات المتحده بالاغاره على عاصمتها، لسارعت واشنطن بنفي هذه الاتهامات، او لو قررت واشنطن الاغاره على عاصمه المكسيك، لسارع البيت الابيض باعلان الغاره وشرح اسبابها للمجتمع الدولي، كما فعل عند هجوم امريكا على السودان او العراق او افغانستان.

دائما القويّ يستسهل التدخّل العسكري في امر الضعيف، امّا ان لا تأبه دوله في نفي او اقرار تدخل عسكري في شأن دوله اخرى، فهذه سابقه دوليّه لاسرائيل وحدها! كأن اسرائيل باتت تعامل دول الجوار على انهم حشرات، لاداعي للتعليق اصلا على مسأله ابادتهم او عدم ابادتهم، فهي تُغير عليهم او لا تُغير، ولا داعي لان يعرف المجتمع الدولي ايهما حصل.

او ان اسرائيل باتت تعتقد ان لها الحق الاخلاقي في ان تهاجم من تشاء متى تشاء، فباتت تخاف ان هي نفت اتهامات عن غاره غير حقيقيه ان يفهم البعض انها تتنازل عن حقها في غاره مستقبليه حقيقيه.

على ايه حال فالتاريخ لا ينسى، وهو يحكم على القويّ لا بغطرسته وتماديه، وانما بقدرته على التمسك بموضوعيّه التعامل مع الضعفاء على الرغم من ضعفهم. فالتاريخ لا ينسى مثلا ان صلاح الدين بعد ان سحق جيوش مملكه الصليبيين في حطّين، وتوجّه نحو عاصمتهم القدس بجيش لا تستطيع المدينه الخاليه من الجند ان تردّه، لم يقم بغاره مفاجئه دون هويّه، وانما بعث بفارس لينذر الضعفاء قبل الهجوم بليله، فينادي "الله اكبر، لا نصره الا بالله"، ليعرّفهم من يحاربون ولماذا، ويعطيهم الفرصه ليستعدّوا للقتال.

ثم قاتلهم فغلبهم، ثمّ اخلى سبيلهم.

Comments