عن مرارة الانحدار
يذهلني انفجار الشارع الاردني قبل يومين ردّاً على قرار الحكومة برفع الدعم عن المحروقات، ذلك لأن غالبيّة حقوق المواطن الاردني الاساسيّة مهضومة أصلاً كحق حرية التعبير وإنتخاب الرئيس والشفافية الادارية والتنفّع من المال العام وحريّة السفر و و و…. لكن دعم الحكومة للمحروقات بالذات ليس حقاً شرعياً للمواطن في أي دولة - بل منحة من الدولة للشعب في زمن الرخاء الاقتصادي فقط. فلماذا لا يطالب المواطن الاردني بحقوقه الأساسيّة بنفس البسالة؟؟
يذهلني انفجار الشارع الاردني قبل يومين ردّاً على قرار الحكومة برفع الدعم عن المحروقات، ذلك لأن غالبيّة حقوق المواطن الاردني الاساسيّة مهضومة أصلاً كحق حرية التعبير وإنتخاب الرئيس والشفافية الادارية والتنفّع من المال العام وحريّة السفر و و و…. لكن دعم الحكومة للمحروقات بالذات ليس حقاً شرعياً للمواطن في أي دولة - بل منحة من الدولة للشعب في زمن الرخاء الاقتصادي فقط. فلماذا لا يطالب المواطن الاردني بحقوقه الأساسيّة بنفس البسالة؟؟
يبدو لي أن المعركة الحالية ليست حول اسعار المحروقات بالذات - فالاردني من الطبقة الوسطى لن يجوع أو يعرى أو يبرد مع ارتفاع اسعار المحروقات. الاردن ليست بمستوى الصومال أو اثيوبيا حيث يثور الفرد لخوف حقيقيّ على متطلّبات الحياة الاساسيّة. وانما المعركة في الاردن حول الهبوط الوشيك في مستوى حياة المواطن. فغلاء الاسعار يعني حياة بلا رفاهيّة، بلا سيّارة او خادمة أو مقهى أو هاتف خلوي. غلاء الاسعار يعني بيتاً اصغر وثياباً أقدم وطعاماً أبسط وتلفزيوناً اصغر
الفرد الاردني اذاً غاضب على النظام لان مستوى حياته على وشك الهبوط - وهو يعتبر اذاً أن من واجب الدولة ان تحافظ له على مستوى حياة ثابت. فإذا لم تستطع الدولة أن تقوم بهذا فهو نتيجة تقصير أو فساد أو كلاهما
هنا المشكلة
هذا التصوّر خاطيء. ومع أن التقصير في نظام الاردن ظاهر للعيان، ومع أن الفساد ينخر في نخاع الوطن، فهذا ليس المسبّب الاساسي للوضع الاقتصادي التعس في الاردن. ولو صَلُح النظام الحاكم في الاردن فجأةً، وتلاشى الفساد والمفسدون غداً صباحاً، وعادت جميع المسروقات الى خزينة الدولة، وعادت جميع الموارد الى ايدي الشعب، ورحل جميع اللاجئيين، وبُعث فينا صلاح الدين، وعادت لنا هضاب فلسطين و كروم جنين، حتّى لو حصل كلّ هذا لما صلح اقتصاد الاردن بما يكفي، ولا تجنّب المواطن خسارة الرفاهيّات ومرارة التقشّف
هذا لان مستوى معيشة الاردنيّ مرهون بالوضع العالمي باكمله وليس بالاردن وحدها. ولان عدد سكّان العالم في تزايد، وموارد العالم لا تتزايد بما يكفي لمواكبة عدد السكّان. من هنا فإن المنافسة بين شعوب العالم على التنفّع بموارد العالم منافسة شرسة - وتزداد شراسة يوما بعد يوم. في عالم اليوم تتقاسم الشعوب حصصها من الموارد وفقاً لقدرتها على التفوّق على الاخرين في الابداع والابتكار والانتاج أو على الاقل في التخطيط او المكر او التسّلح
ــ فالشعب الالماني مرفّه لانه يقود العالم في ابتكار وتصنيع تكنولوجيا السيارات بالإضافه الى الكثير من الصناعات
ــ الشعب الياباني مرفّه لانه يُغرق العالم في بحر من الابداع الالكتروني والعلمي والطبّي
ــ الشعب الاسرائيلي مرفّه لانه نجح في ربط مصيره بنتاج كل يهود العالم - لا اسرائيل وحدها، ولان يهود العالم بدورهم منتجون بشكل مذهل، ولهم أياد بيضاء ونفوذ واسع على اقتصاد أقوى دول العالم
ــ الشعب الامريكي مرفّه لان اسطوله البحري يسيطر على كلّ محيطات العالم، ولانه قاد العالم باكمله الى عصر الالكترونيات والانترنت
بالمقابل:ـ
ــ الشعب اليوناني يتجرّع اليوم مرارة التنازل عن قدر كبير من الرفاهيّة تحت مسمّى التقشّف الاقتصادي مع ان اليونان كما نعلم دولة يحكمها شعبها، تضمن الحريات و تقدّس المواطن والمواطَنة. بل أن اليونان هي مسقط رأس الديمقراطيّة بمفهومها الغربي! ذلك لان الشعب اليوناني خسر المنافسة الشرسة بين الدول الاوروبية وربحتها شعوب المانيا وفرنسا بما ابتكرت من ابداعات وانتجت من صناعات وقلصّت من ترهّل حكومي
ــ الشعب الاسباني يعاني من نفس تبعات الهزيمه - على الرغم من أن نتاج الاسبانيين يقارَن بنتاج الوطن العربي بأكمله! كذلك مستوى المنافسة العالميّة على التنعّم بالموارد، التي يعتقد اهل الاردن انّهم منزّهون عنها
من هنا منبع مأساه الشعب الاردني - الذي ركّز جلّ اهتمامه على قضيّة فلسطين طوال عقود طويلة فخسر السباق السياسي والعسكري، وضّيع وقتاً ثميناً، ولم يسترجع ارضه ولا سيادته، وعاد فهادن غزاته صاغراً. ثم راهن خاسراً على عراق صدّام فخسر علاقات دبلوماسيّة لا تقدّر بثمن. ثّم حاول أن يستثمر الوقت الباقي في التحّول الى مركز ثقل الشرق الاوسط في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكنه خسر هذا السباق ايضاً للامارات واسرائيل. طوال هذه العقود لم ينتج الاردن ما ينفع البشريّه من علم او ادب او فن او صناعه او تجارة بما يكفي ان يضعه على خريطة العالم الحديث - بل على العكس، خسر الكثير من ابنائه المبدعين وهم يتزاحمون على ابواب السفارات هرباً من ظلم وفقر او قرفاً من استبداد او طمعاً في حياة افضل
ــ الشعب الاسباني يعاني من نفس تبعات الهزيمه - على الرغم من أن نتاج الاسبانيين يقارَن بنتاج الوطن العربي بأكمله! كذلك مستوى المنافسة العالميّة على التنعّم بالموارد، التي يعتقد اهل الاردن انّهم منزّهون عنها
من هنا منبع مأساه الشعب الاردني - الذي ركّز جلّ اهتمامه على قضيّة فلسطين طوال عقود طويلة فخسر السباق السياسي والعسكري، وضّيع وقتاً ثميناً، ولم يسترجع ارضه ولا سيادته، وعاد فهادن غزاته صاغراً. ثم راهن خاسراً على عراق صدّام فخسر علاقات دبلوماسيّة لا تقدّر بثمن. ثّم حاول أن يستثمر الوقت الباقي في التحّول الى مركز ثقل الشرق الاوسط في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكنه خسر هذا السباق ايضاً للامارات واسرائيل. طوال هذه العقود لم ينتج الاردن ما ينفع البشريّه من علم او ادب او فن او صناعه او تجارة بما يكفي ان يضعه على خريطة العالم الحديث - بل على العكس، خسر الكثير من ابنائه المبدعين وهم يتزاحمون على ابواب السفارات هرباً من ظلم وفقر او قرفاً من استبداد او طمعاً في حياة افضل
من غير العمليّ او حتّى المنطقيّ ان يتوقع الاردنيّون المحافظه على مستواهم المعيشيّ رغم كلّ هذه الاخطاء والخسارات، في زمن يحتاج فيه كل شعب الى سلسلة من النجاحات المتتاليه فقط ليحافظ على منزلته بين الشعوب. ردّاً على من يسأل "ماذا يفعل المواطن الاردني جرّاء زيادة أسعار الوقود لحدّ لا يمكن أن يحتمله الراتب؟" - نقول أن على المواطن الاردني متوسط الدخل خلال السنوات القادمة على الاقل:ـ
ــ أن يبيع سيّارته ويتدحوش في السرفيسات وينكرز برداً على مواقف الباصات - مثله مثل المواطن المصري والسوري - ذلك لأن مصر وسوريا (لا الاردن) تتصدّران الوطن العربي في الابداع السينمائي والفنّي
ــ أن يطلق سراح الخادمة الاندونيسيّة ويلجأ لجلي صحونه بنفسه وشطف ارضيّاته بنفسه وتقديم الشاي لضيوفه بيديه الكريمتين - ذلك لأن اندونيسيا (لا الاردن) تتصدّر العالم الاسلامي في الانتاج والثروة الاقتصاديّة
ــ أن يرحل من بيته الواسع الى شقّة صغيرة، لا تحتوي على ديوان مخصّص لاستقبال الضيوف أو بستان وارف الاغصان أو خزانه مخصصة لملابس الشتاء وأُخرى للصيف - مثله في ذلك كمثل المواطن البريطاني الذي لا يحلم بأي من هذه الرفاهيّات وهو حفيد امبراطوريّة ملكت العالم. ذلك بأن بريطانيا خسرت الصدارة في السباق في ظلّ منافسة شرسة مع امريكا وفرنسا والمانيا والاتحاد السوفياتي
ــ أن لا يكتفي براتب الضمان الاجتماعي بل يقبل بالعمل اليدوي في مصنع للملابس الاوروبيّة لساعات طويلة يوميّاً بلا عطلة اسبوعيّة، وبراتب يومي لا يكفي لشراء وجبة في احدى مطاعم باريس - مثله في ذلك كمثل المواطن الصيني - والصين (لا الاردن) هي اكبر مركز صناعي في العالم وصاحبة اكبر جيوش العالم
على المواطن الاردني ايضا:ـ
ــ ان يمضي في الحراك السياسي حتى يتخلّص من الفساد ويرسّخ مساءله المسؤولين
ــ ان يبدّل أو يعدّل نظام الحكم حتى يصبح للفرد تمثيل حقيقي في الدولة وضمان حقيقي للحرّيات وأهمّها حريّة الرأي
ــ ان يسترجع جميع اموال الشعب المسروقة مهما كان مستوى السارق من الملك الى الخادم
ــ ان يدرك ان كل هذه الخطوات لن تنقذ المواطن من مرارة الخسارة الاقتصاديّة. بل لسوف يتمرمط المواطن الاردني اقتصاديّاً علي اي حال - بما فشل شعبه من مواكبة سباق الحضارات على مرّ العقود الماضية
ــ أن يرحل من بيته الواسع الى شقّة صغيرة، لا تحتوي على ديوان مخصّص لاستقبال الضيوف أو بستان وارف الاغصان أو خزانه مخصصة لملابس الشتاء وأُخرى للصيف - مثله في ذلك كمثل المواطن البريطاني الذي لا يحلم بأي من هذه الرفاهيّات وهو حفيد امبراطوريّة ملكت العالم. ذلك بأن بريطانيا خسرت الصدارة في السباق في ظلّ منافسة شرسة مع امريكا وفرنسا والمانيا والاتحاد السوفياتي
ــ أن لا يكتفي براتب الضمان الاجتماعي بل يقبل بالعمل اليدوي في مصنع للملابس الاوروبيّة لساعات طويلة يوميّاً بلا عطلة اسبوعيّة، وبراتب يومي لا يكفي لشراء وجبة في احدى مطاعم باريس - مثله في ذلك كمثل المواطن الصيني - والصين (لا الاردن) هي اكبر مركز صناعي في العالم وصاحبة اكبر جيوش العالم
على المواطن الاردني ايضا:ـ
ــ ان يمضي في الحراك السياسي حتى يتخلّص من الفساد ويرسّخ مساءله المسؤولين
ــ ان يبدّل أو يعدّل نظام الحكم حتى يصبح للفرد تمثيل حقيقي في الدولة وضمان حقيقي للحرّيات وأهمّها حريّة الرأي
ــ ان يسترجع جميع اموال الشعب المسروقة مهما كان مستوى السارق من الملك الى الخادم
ــ ان يدرك ان كل هذه الخطوات لن تنقذ المواطن من مرارة الخسارة الاقتصاديّة. بل لسوف يتمرمط المواطن الاردني اقتصاديّاً علي اي حال - بما فشل شعبه من مواكبة سباق الحضارات على مرّ العقود الماضية
ــ ان يدرك ان الخطوات هذه ضروريّة لتأهيل الاردن لدخول سباق الحضارات من جديد ولكنّها لا تكفي للفوز بالسباق - فإن أحسن شعبه صنعاً وتفوّق على غيره علماً أو أدباً أو فنّاً أو صناعةً أو تجارةً، فعندها فقط سينجو جيل الغد من المرمطة الواقعة على جيل اليوم لا محالة
Comments